امراض

أطفال التوحد… مختلفون من حيث الأعراض والعلاج سلوكي وتثقيفي

يؤثر مرض التوحد على حوالى 21.7 مليون شخص في العالم، ويعرّفه الاطباء على انه اضطراب في النمو العصبي يتسبب في ضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي، ويعتقد وجود أسس وراثية قوية للتوحد، على الرغم من أن جينات التوحد معقدة. حتى الآن الطريقة الاساسية لتشخيص المرض هي التحدث إلى الآباء حول سلوك أبنائهم إلى جانب الملاحظات السريرية والمقابلات مع الأشخاص المحتمل أنهم يعانون إصابة، فيما قد تستغرق عملية التشخيص تلك وقتا طويلا قبل التعرف على وجود الحالة، ويبلغ متوسط عمر تشخيص المرض نحو أربع سنوات. وعلى الرغم من عدم وجود علاج شاف، الا ان هناك الكثير من السبل لمعالجته بحيث يتم مساعدة الطفل على التعايش مع مرضه. كلما بدأ العلاج في وقت أبكر كانت فرص نجاحه أكبر.

العلماء من جامعة فيرمونت توصلوا الى أن الأطفال الذين يعانون من التوحد هم أكثر ميلا إلى التركيز على فم المتكلم عند مناقشة موضوعات عاطفية، ما يجعلهم غير قادرين على استيعاب نقاط التواصل ومجرد تغيير بعض الكلمات خلال الحديث عما يفعله الناس في مقابل ما يشعرون به يمكن أن يكون لها تأثير عميق على توجيه تركيز العيون للحصول على المعلومات.

عادة ما يكون مريض التوحد على درجة عالية من الإحساس والاهتمام بشعور من حولهم إلى درجة كبيرة، الا انه يجد صعوبة في استعمال الإشارات الاجتماعية من قبيل التغير في تعبير الوجه، ولغة الجسد، ونغمة الصوت، التي تعتمد عليها الأنماط العصبية في نقل الحالة العاطفية من شخص لآخر.

على صعيد آخر، يجد بعض الأهالي ممن لدى أطفالهم حالات شديدة من التوحد أن وجود الطفل يستنزف طاقاتهم ويحرمهم العيش بشكل طبيعي و بنفس الوقت لا يستطيع هذا الطفل الاستمرار في المدرسة العادية ويحتاج هؤلاء الاطفال للإقامة في المركز الخاص بالتوحد؛ من هنا نشأت مراكز متخصصة لتلك الحالات.

الاعراض

تختلف أعراض التوحد ما بين الأطفال المصابين وما بين الخفيفة والشديدة من حيث قدرتهم على التواصل مع الآخرين والتفكير والتفاعل الاجتماعي، ومن الصعب تشخيص المرض في كثير من الحالات لان المظهر الخارجي للطفل يبدو طبيعيا ولا يوحي بوجود أي مشكلة صحية تميّزه عن أقرانه. ويكون التأثير واضح على اللغة التي يلفظها الطفل حيث أن طفل التوحد لا يستطيع أن يلفظ الكلمات بوضوح، كما ان ردة فعله للأمور تكون بطيئة وغير إيجابية. ويمكن الجزم بأن أطفال التوحد يختلفون من ناحية الأعراض التي تظهر على حالتهم، فتختلف الأعراض من شخص لآخر كما أن التوحد يصيب الأطفال بجميع الأقطار والأعراق.

وتتمحور ابرز الاعراض على النحو التالي:

  • خلل في تواصل الطفل مع من حوله
  • تأخر تطور الكلام وميل الطفل لتكرار نفس الكلمات وتكلمه بوتيرة متكررة
  • ضعف تفاعل الطفل الاجتماعي
  • ميل الطفل لتكرار نفس التصرفات
  • تصرفات وحركات شاذة مثل إجراء حركات هز متكررة في اليدين
  • حب اللعب على انفراد
  • عدم الاكتراث بالأطفال ممن يلعبون حوله
  • حب ترتيب الأشياء و فرزها حسب الألوان
  • صعوبة التواصل البصري بالعينين مع الآخرين

فإذا أبدى الطفل أي من تلك الأعراض ثابت، من المرجح أن يكون لديه حالة التوحد وعادة يظهر على الطفل أكثر من عرض من هذه الأعراض؛ ورغم اختلاف شدة المرض بين الاطفال فان الشيء الثابت بينهم جميعهم كمصابين هو نقص القدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين.

هناك تصرفات مشتركة يقوم بها مرضى التوحد مثل تحدد كلام الطفل بعدة كلمات او عبارات مكررة، التوقف الفجائي عن التكلم بشكل كامل لفترات، عدم قدرته على تلبية حاجات التواصل مع المحيط،  تجنب الاحتكاك الجسدي مع من حوله، الميل للبقاء وحيداً، نوبات من الغضب الطويل نتيجة أسباب بسيطة، الضحك أو البكاء دون سبب او مبرر، صعوبة في تغيير عاداته اليومية، عدم الخوف من المخاطر، كثير الحركة او بالعكس قليل النشاط، عدم الاكتراث للمناشدة الصوتية عند طلبه باسمه او توجيه سؤال ما؛ وهنا، يجب الاشارة الى ان ليس كل طفل لديه حالة توحد يظهر كل هذه التصرفات مجتمعة وإنما قد يكون لديه جزء منها.

آلية العلاج

رغم انه لم يتم التوصل حتى الآن الى علاج شاف من مرض التوحد، الا ان التعرف على الاعراض والتصرفات التي يقوم بها هؤلاء المرضى كان لها دور كبير في مساعدة الجسم الطبي على وضع خطة علاجية وآلية عمل تجمع بين تخصصات عدة لتسهم في الحد من تطورها حيث أثبتت نجاحا يُشهد له؛ تبدأ آلية العلاج بتكوين فريق من الاطباء يتألف من طبيب أطفال متخصص في تطور الطفل وطبيب الأمراض النفسية عند الأطفال وطبيب متخصص في الكلام واللغة الى جانب مساعد اجتماعي متخصص وكذلك أستاذ متخصص في تدريب الاطفال ذوي الحاجات الخاصة.

وضع الطفل تحت اشراف هذا الفريق من الاطباء من شأنه ان يوفر الخدمات العلاجية والتثقيفية للطفل من خلال برنامج خاص ودقيق، حيث يتم التركيز على تعليم الطفل كيفية التواصل مع الآخرين عن طريق الكلام او بطرق أخرى مثل الإشارة والرسوم ولغة الإشارة سعياً لإخراج الطفل من دائرة اهتماماته الضيقة ولفت انتباهه نحو أمور جديدة بطريقة التشجيع الايجابي ومن خلال وضع الطفل في أجواء اجتماعية.

لا يستغني الامر عن تناول بعض الادوية لدى بعض حالات مرض التوحد مثل مضادات الاكتئاب التي تخفف من الحركات المكررة، وهناك من  يحتاج للمنبهات لتخفيف فرط النشاط أو مضادات الاختلاج أو مضادات الذهان. اهم ما في الامر ان يتم ذلك تحت إشراف الفريق الطبي المتخصص في علاج الطفل، كما انه الكثير من المراكز لمعالجة مثل هذه الحالات حيث بدأت هذه المراكز بالتواجد في أكثر البلدان وقد يكون مناسباً في حال عدم توفر مثل هذه المراكز وضع الطفل في المدرسة العادية أو مدرسة خاصة توفر الوسائل التعليمية والتثقيفية الداعمة لمثل هذه الحالات؛ وتشمل الأعمال اليومية للطفل خلال العلاج أعمال المهارات اليومية مثل الطبخ والتسوق وعبور الشارع ونشاطات أخرى تقام بشكل جماعي للأطفال لتشجيعهم على المبادرة.

العلاج الغذائي

أكدت الأبحاث الطبية الحديثة وجود دور للجلوتين والكازيين في مرض التوحد، فالحمية الخالية من الجلوتين وهو البروتين الموجود في القمح والشعير والشوفان، والكازين وهو البروتين الأساسي في الحليب ومشتقاته، حيث ان الامتناع عنهما يؤدي إلى التقليل من سلوكيات التوحد، ويزيد مهارات التواصل الاجتماعي.

للتغذية دور مساعد في التخفيف من حدة المرض وفق ما اظهرته الدراسات الحديثة التي أجرتها وزارة الصحة البريطانية في جامعة غلاسكو حيث تبيّن ان مرضى التوحد يعانون من عدم هضم وامتصاص مادة الغلوتين، وهي من بروتينات القمح وأيضا الكازيين وهو بروتين اللبن.

بعد هذه الدراسة، لجأ الاطباء الى حمية غذائية معينة تبدأ بشكل تدريجي بإزالة الكازيين من حمية الطفل، وبعد فترة من ملاحظة التغييرات الايجابية على الحالة يتم ازالة الغلوتين. وعادة ما يحتاج الكازيين الى فترة اسبوعين تقريبا حتى يتم تنظيف الجسم منه، بينما الغلوتين فهو يحتاج من خمسة الى سبعة اشهر تقريبا لتخليص الجسم منه.

الكازين والجلوتين هما بروتينان يتحللان إلى المركبات الأساسية للبروتينات والتي تسمى الأحماض الأمينية لدى الأصحاء، ويوجد الكازين في الحليب ومشتقاته ويوجد الجلوتين في بعض الحبوب مثل القمح والشوفان والشعير ومنتجاتها. وهناك أغذية تحتوي على الكازين بنسبة ضئيلة مثل الزبدة فيمكن الاستعاضة عنها بالسمنة لعدم احتوائها على الكازين. المشكلة تكمن في أن الكازين والجلوتين لا يتحللان عند أطفال التوحد فتتراكم هذه المركبات البروتينية وتؤدي إلى أضرار بالجهاز العصبي واضطراب السلوك ونمو غير سليم للمخ، حيث لا يحصل على بعض الأحماض الأمينية لهذا يجب تجنب تلك الأغذية مدى الحياة.

ومن الاطعمة المفيدة لمرضى التوحد التمر، كل ما يصنع من دقيق الذرة سواء الخبز أو الرقائق، السبانخ الخضراء الغنية بالحديد، الكبدة، الدجاج البلدي غير المهرمن، الكرفس من الخضروات الورقية الهامة للغاية لمريض التوحد، البروكلى الأخضر.

ينبغي ايضا تجنب الأطعمة التي تحتوي على الكازين وهي جميع الألبان ومشتقاته واستبداله بلبن صويا السمسم خاصة أن ملعقتين منه تعادل كوب لبن؛ لذا يفضل الإكثار منه ومن تناول الطحينة وقرع العسل. في تلك الفترة قد يتعرض الطفل لحزن شديد من دون سبب واضح وخمول وتبول لا إرادي، فتلجأ الأم إلى إعطائه تلك المحذورات وبالتالي يتعرض لانتكاسة مرضية.

تتمثل علامات التحسن في ازدياد معدل التركيز والانتباه، وانخفاض معدل السلوك العدواني، حيث يصبح أكثر هدوءاً واستقراراً، وانخفاض سلوك إيذاء الذات، وتحسن في عادات النوم، ويجب المتابعة مع اختصاصي تغذية قبل البدء بالحمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى